بين الابتزاز الأردني وفهم تل أبيب لمعنى السلام

صحف عبرية: السائح الإسرائيلي… بين الابتزاز الأردني وفهم تل أبيب لمعنى السلام

  • صحف عبرية: السائح الإسرائيلي… بين الابتزاز الأردني وفهم تل أبيب لمعنى السلام

اخرى قبل 5 سنة

صحف عبرية: السائح الإسرائيلي… بين الابتزاز الأردني وفهم تل أبيب لمعنى السلام

عند دخولكم الأردن عبر أحد معابر الحدود سيسألكم الموظف كم يوماً برأيكم ستقضون؟ إذا قلتم ثلاثة أيام فأكثر، فأنتم مطالبون بدفع عشرة دنانير على التأشيرة. أما إذا أقل من 48 ساعة فسيقفز السعر إلى 40. والغرامة على الإقامة القصيرة مخصصة للإسرائيليين فقط، وهي متبعة منذ بضع سنوات. عند مجيئكم في زيارة خاطفة إلى المملكة الهاشمية، مثلما يفعل كثير من الإسرائيليين، ستدفعون 30 ديناراً إضافياً، أي نحو 150 شيكلاً أكثر.

“الغرامة” ليست الكلمة التي يستخدمها موظفو الحدود الأردنيون. هذا تعبير اخترته عند كتابة هذه السطور، إذ ليس هناك وصف ملائم أكثر للسياسة التي وصفناها أعلاه، فما بالك أنها لا تنتهي عند ذلك. دولة تغرم السياح من دولة أخرى لأنهم اختاروا المكوث فيها يومين وليس ثلاثة أو أربعة أيام، مثلاً.

إن العلاوة على تأشيرة الدخول مشكلة قديمة. مؤخراً فاجأ الأردنيون بغرامة أخرى، أكثر غرابة من سابقتها؛ كل إسرائيلي يريد الدخول إلى أراضي مملكتهم يطالب بمرافقة مرشد أردني إلى مقصده، مدفوع الأجر. وتبدأ الأسعار بثلاثة – أربعين ديناراً وتنتهي في السماء، والأمر متعلق بالمسافة إلى المقصد. ويعلل الأردنيون التغيير بالاعتبارات الأمنية، أي لحماية السائح من كل ضرر. غير أن المرافقين ليسوا رجال أمن، وأين سمعتم أن سائحاً مطالب باستئجار حارس خاص من جيبه الخاص؟ تلك وظيفة الدولة المضيفة. إن هذا الترتيب غريب على نحو خاص، حين يدور الحديث عن السفر إلى العقبة. فالمسافة من معبر الحدود “وادي عربا” إلى العقبة بضع دقائق سفر، والمرافق يودعكم حتى قبل أن يتمكن من القول “انديانا جونز” (والحملة الصليبية الأخيرة لمن يسأل).

واجب المرافقة متبع منذ أربعة أشهر، وفرضه الأردنيون من طرف واحد. وسياستهم لذلك متصلبة. أما الإسرائيليون الذيم لم ينسقوا لأنفسهم مسبقاً مُرافقاً وفندقاً، فلا يسمح له بالدخول إلى أراضي المملكة وتتم إعادتهم إلى الديار. وحتى في العودة فأنتم مطالبون باستئجار المرافق، جيئة وذهاباً. والمعنى المالي هو أنه إذا أردتم مثلا ًأن تقضوا عطلة نهاية الأسبوع في عمان، سيتعين عليكم أن تخرجوا من البلاد مع رزمة من الأموال النقدية ستتركونها في معبر الحدود. 40 ديناراً للشخص على التأشيرة، ومبلغ مشابه أقل أو أكثر للشخص أو للزوجين على المرافق. وهذا النظام سيدفع تكلفة العطلة بمئات الشواكل للشخص الواحد.

ويأتي طلب استئجار المرافق لزيادة مداخيل المالية الأردنية من السياحة الإسرائيلية وتوفير مصدر رزق لبضع عشرات من العاملين. ولكنه يستهدف إطلاق رسالة لإسرائيل بأن عمان متوترة الأعصاب. في الدول العربية يكون التحرش بمواطني دولة ما في المداخل هو وسيلة احتجاج دبلوماسية في زمن التوترات بين الدول. صحيح أن العالم الواسع يرى في السائح ضيفاً محترماً ومرغوباً فيه، ولكننا في الشرق الأوسط…

علاقات غير منسجمة

بين تل أبيب وعمان انقطاع منذ فترة طويلة، ويمكن القول بكلمات رقيقة إن الحوار بينهما ليس منسجماً في هذه الأيام. ليس لدى الأردن وفرة من أوراق الاحتجاج ضد إسرائيل، ولهذا تطلق يدها إلى جيوب السياح القلائل الذين يصلون إليها على أمل أن يفهم أحد ما التلميح. وبهذه الطريقة يبدي الأردن إحباطه من سياسة إسرائيل في شرقي القدس.

في نظرة من عمان، تميل حكومة إسرائيل إلى تسخين الأجواء عبثاً، ودون ضرورة. هكذا كانت أزمة البوابات الإلكترونية، هكذا هو كل فعل يتمثل باستخدام القوة في الحرم تجاه المصلين المسلمين. يعتقد الأردنيون بأنه يمكن لإسرائيل أن تبدي مرونة أكبر في معاملتها مع المصلين، ولا سيما عندما تستخدم القوة الشرطية. للملك الأردني مكانة خاصة في الحرم، منحه إياها اتفاق السلام مع إسرائيل، فالأردن كان يسيطر على شرقي المدينة منذ قيام المملكة وحتى 1967. ولهذا يعتبر بصفته راعياً هو الراشد المسؤول عن الأقصى أمام المسلمين في العالم كله. وهذا الدور يلقي عليه ثقلاً كبيراً. حين يمس بقدسية المكان أو يخيل لأحد ما أنها مست، فإن القصر الهاشمي هو ما تتعلق به الأنظار لتلقي الحماية، والأوقاف من بعده. وعندما يفشل في حمل صديقته إسرائيل على تهدئة الأجواء، يبدأ كثيرون في التساؤل لماذا عقد حلفاً معها وما هي جدوى الاتفاق معها؟

لسنوات طويلة، صمد القصر الأردني أمام هذه الضغوط. أما في السنوات الأخيرة فقد بدأ الشارع العربي والأردني يشدد ضغطه على القصر. وبالتوازي ضعفت العلاقات مع القدس، بسبب سلسلة الأحداث داخل الحرم وخارجه؛ والعلاقات على أي حال لم تتميز بالانسجام منذ بدايتها.

يحتمل أن تكون الحساسية الأردنية صادقة ومفهومة، وأن إسرائيل بالفعل تساهم في رفع التوتر في الحوض المقدس، ويحتمل أن تكون مبالغاً فيها. ولكن التوتر بين عمان والقدس آخذ في التصاعد، ولهذا السبب تصلب قلب النظام الأردني في السنتين الأخيرتين، وأحد التعابير البارزة عن هذا التصلب هو قرار الملك استرداد جيبي “تسوفر” و”نهرايم” (وادي عربة). لم تكن هذه حاجة وطنية، بل خطوة احتجاج تستهدف إطلاق رسالة تحذير وانعدام وسيلة لإسرائيل ولأرضاء الرأي العام الأردني أيضاً.

وعودة إلى السائح الإسرائيلي؛ أشك بأن يكون من توجه إليه الخطوات الأردنية العقابية في معابر الحدود، رئيس الوزراء ومستشاروه في مجلس الأمن القومي، سمعوا عنها. وحتى لو سمعوا، مشكوك أن يطرقوا الطاولة بقبضتهم. فلم يسبق لإسرائيل أن رأت في السياحة الإسرائيلية إلى الأردن قيمة عليا. ولا إلى مصر. ما يهم إسرائيل هو التعاون الاستخباري والعسكري وكل ما تبقى قليل الأهمية. ومثلما في الحالة المصرية، هذا خطأ استراتيجي. باستثناء مناحم بيغن وإسحق رابين، اللذين وقعا على اتفاقات السلام، لم يسع من خلفهما على التمسك بالعلاقات في مجالات السياحة، والتجارة، والثقافة وغيرها من الفروع. ففهم القدس للسلام أمني أولاً، أي أنه يتركز على تعزيز الاتصال السري بالحكام. ولكن ثمة أهمية ثقيلة الوزن في العالم الجديد للمجتمع المدني في الدول العربية، مثلما رأينا جيداً في السنوات الأخيرة. لهذا السبب لا يجب إهمال تطوير العلاقات معه.

بقلم: جاكي خوجي

معاريف 11/10/2019

 

التعليقات على خبر: صحف عبرية: السائح الإسرائيلي… بين الابتزاز الأردني وفهم تل أبيب لمعنى السلام

حمل التطبيق الأن